الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

ماذا تعرف عن المسرح الأسود

المسرح الأسود المسرح الأسود فن من الفنون الحديثة . دخل منذ عهد قريب إلى مجال الخدمة المسيحية، بدأ كمسرح للأطفال، وأصبح اليوم أحد الركائز في أنشطة الكنيسة وخدمتها في علما الشعب . ننشر هنا محاضرات للقس أمير اسحق قدَّمها في مؤتمر تدريب خدام مدرسة الأحد في كنائس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان . في هذه المحاضرات نتعرَّف على ماهية المسرح الأسود، وكيف نؤسس فريقاً لهذه الخدمة، وكيف نحضِّر الأشغال ونركِّب المسرح . أفكار أساسية بسيطة سريعة المسرح : المسرح هو أبو الفنون وأولها منذ عصر الإغريق والرومان، حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني، بعد حلبات المُصارعة والمُسابقات . وهناك قصة قديمة عن نشأة المسرح تقول : إنَّه في إحدى ليالي ذلك الزَّمن السحيق، اجتمع بعض الرجال حول نار مُشتَعِلة طلباً للدِّفء وتبادُل القصص والأحاديث . وفجأة خَطَر ببال أحدهم الوقوف واستخدام ظِلِّه في شرح قِصته . فاستعان بضوء اللهب ليُظهِر على الجدران شخصيات أكبر حَجماً من الأشخاص الحقيقيين، ممَّا أبهر وأدهش الحاضرين، ثم تكرَّر الأمر في الأعياد والمناسبات، ومنذ ذلك الحين بدأ يتطوَّر حتى يومنا هذا . لعلَّ هذه كانت بداية الفنَّ المسرحي . المسرح، منذ نشأته وحتى اليوم، وسيلة مِن وسائل التثقيف المؤثِّرة . لكن عندما يُقدَّم المسرح للأطفال، فلابُد مِن وجود نظرية تربوية إلى جوار الجُرعة الثقافية البسيطة السَّهلة التي تُقدَّم للأطفال . ويُضاف إلى ذلك البُعد الفنِّي للمسرح، أي التسلية البعيدة عن السطحية والابتزال . التمثيل : {تفسير وتجسيد شخصية كتابية، أو من نَسج خيال المؤلِّف، عن طريق التعبير الجسمي والصوتي والخيالي للمُمثِّل} تفسير، أي إيضاح الأفكار والمُعتقدات والسلوكيات المُراد توصيلها وإقناع الجمهور بها . تجسيد، أي خَلْق شكل مادي مرئي حيوي للشخصية المُراد تأديتها على المسرح . التعبير الجسمي، أي التعبيرات الانفعالية وردود الأفعال المُتباينة . التعبير الصوتي، وهو مِن أهمّ أدوات المُمثل . فالصوت مادة خام يجب تشكيلها وتطويعها حسب الحاجة . إنَّ الصوت في حياتنا العادية فيه الكثير من العيوب، لكنها لا تشكِّل خطورة على أحاديثنا، مُعظمها عيوب في مخارج الألفاظ . لكن على المسرح، يجب ألا تظهر مثل هذه العيوب . ومِن الصعوبات الصوتية التي تواجِه المُمثل أيضاً : عدم تنوُّع صوته بحسب الانفعال المُراد التعبير عنه . والتنفُّس في غير مَحَلِّه، إذْ أنَّ مُعظم أخطاء الصوت ترجع إلى سوء عملية التنفس أثناء الأداء، بسبب عدم القدرة على التحكُّم في كمية الهواء الخارج مع الصوت . فتخرج كمية كبير مِن الهواء في الجزء الأول مِن الجُملة، فيأتي الجزء التالي بصوت مشدود، بسبب قِلَّة الهواء الخارج مع الصوت . فكيف نقرأ هذه الجُملة مثلاً ؟ لأنَّه هكذا أحبّ الله العالم / حتى بذلَ ابنه الوحيد / لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به / بلْ تكون له الحياة الأبدية / كلّ مَن يُقبِل إليه لا يُخرجه خارجاً / إنَّه يُحِبّ الخُطاة، لكنَّه يكرَه الخطية . البانتومايم : يُعتبر هذا الفنّ النواة الأساسية للعمل التمثيلي بوجه عام . والبانتومايم هو الأداء التمثيلي الصامت، الذي يعتمِد كلياً على الحركة الجسمية الظاهرة الجيدة، التي يجب أن تكون : نشطة، مُحدَّدة، اقتصادية، لها بداية قاطعة ونهاية قاطعة . مسرح الطفل : هذا التعبير نعني به : المسرح الذي يقدِّمه الكبار للأطفال، أو الذي يقدِّمه الأطفال للأطفال . إنَّ مشاركة الأطفال في الأداء المسرحي يحتاج إلى مُعلِّم أو مُخرِج مُقتدِر، يستطيع أنْ يُترجِم أفكار المؤلِّف أو القصة الكتابية بما يتناسَب مع عُمر الطفل . لذلك فإنَّ أول ما يجِب أنْ يتحلَّى به هنا هو الصَّبر، لأنَّ هذا هو مفتاح النجاح في خدمة الأطفلل . لأن الطفل يحتاج إلى وقت طويل حتى يُتقِن ما يريد ويستوعِبه . لذلك فالأعمال التي تُقدَّم للأطفال، أو التي يُقدِّمها الأطفال على المسرح، تحتاج إلى مجهود مُضاعَف . فلَن ينسى الأطفال العمل الذي شاركوا فيه بأنفسهم، أو الذي تمَّ تأديته في مشاهد حركية أمامهم . إنَّ مسرح الطفل ليس وسيلة للضَّحك والتسلية فحسب، لكنَّه وسيلة تثقيفية وتعليمية شديدة التأثير على الكبار والصغار . يجب أنْ يكون مسرح الطفل بعيداً عن التهويل والرُّعب والأعمال الخارقة . وأنْ تكون الشخصيات المُجسَّدة في العمل المسرحي قريبة إلى نَفسه وعُمره، حتى تُحبِّبه في قِيَم الشجاعة وحُبّ الخير للغير واحترام الآخرين . أما أقرب الألوان المسرحية إعجاباً لدى الأطفال، فهي المسرح الاستعراضي، والغنائي، والعرائس، والمسرح الأسود أيضاً . وتأتي مشكلة الألفاظ المُستخدمة في مقدِّمة المتاعِب التي يواجهها مسرح الأطفال . فالكاتب هنا يقِف مُتحيِّراً أمام الأفكار التي يريد أنْ ينقلها للأطفال، وبأيّ لُغة يخاطبهم ويتفاعَل معهم . يُقَسَّم مسرح الطفل إلى قسمَيْن أساسيَيْن : أ0 المسرح الفِطْري : الذي يُخْلَق مع الطفل بالغريزة الفِطرية . ويستند إلى الارتجال والتمثيل اللعبي والتعبير الحُرّ التلقائي . مِثل لعبة : عروسة وعريس، وعَسْكَر وحراميَّة . ب0 المسرح التعليمي : الذي يُنجِزه الطفل بإشراف المُعلِّم أو المُخرِج . ويستند إلى نصوص مُعدَّة سلفاً . وينقسم إلى : 1 ) مسرح التعليم الأوَّلي، الذي يرتبط بالقصص الكتابية . حيث يقوم فيه الطفل بأدوار الشخصيات الكتابية أو الحيوانات ( كما في قصة السامري الصالح ) ، أو الطيور ( كما في قصة غُراب إيليا ) ، تلك الحيوانات والطيور التي ترافق الشخصيات بحسب القصة الكتابية . 2 ) المسرح المدرسي، الذي يشترك فيه الفرد في المدرسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وفي الجامعة أيضاً، مِن أجل تحقيق أهداف فكرية ووجدانية وحركية ووطنية لديهم . يُشرف على تلك المسرحيات المُدرسين أنفسهم، وتُقدَّم تلك المسرحيات في المناسبات الوطنية أو الدينية أو المدرسية . 3 ) مسرح العرائس، أي الدُمى التي تتحرَّك بواسطة خيوط أو بأيدي المُمثِّلين أنفسهم . وهو مسرح مكشوف يعرض القصص أمام الجمهور . ويمكن استخدام ستارة بين الجمهور والمُمثلين، أو لتغطية الدمى قُبَيل العَرض . ولهذا النوع من المسرح تأثير كبير على الأطفال، لأنه يُبهرهم بقصصه الهادفة، وقيمه النبيلة، فيغرسها في نفوسهم . ويُعتَقَد أنَّ اليابانيين مِن أوائل الذين أبدَعوا في هذا النوع مِن المسرح، حتى أصبح عندهم أداةً فعَّالة في التلقين والتعليم، يتهافَت عليها الكبار والصغار . 4 ) مسرح خيال الظلّ، الذي يعتمد على الأشعة الضوئية العادية لتشخيص الأشياء، التي من خلالها تنعكس الظلال على الشاشة، باستعمال الأيدي أو الصور . 5 ) المسرح الإذاعي، الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على الأداء الصوتي، مع مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية مناسِبة . يسمعه الجمهور ويتخيَّلون الأحداث والحركات . مسرح العرائس/ الدمى : فَنّ العرائس فنّ واسِع، وُلد وتطوَّر عَبر التاريخ ليُخاطِب الكبار أساساً، لكنَّه تحوَّل تحوُّلاً كاملاً للمُشاهِد الصغير . إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّه انحدَرَ في مساره، أو تنازل عن أصول المسرح وتقنيات فنّ العرض، بل إنَّه بهذا التحوُّل تطوَّر وارتقى . وقد ارتبطت العرائس بخيال الإنسان وفِكره مُنذ طفولة العقل البشري، إذْ تعرَّفت عليها جميع الحضارات . وهناك أربعة أشكال أساسية للعرائس : آدمية، حيوانية، كرتونية، وخيالية . فيمكن أنْ تكون الدُّمية على شكل إنسان، أو حيوان . ويمكن أنْ تكون من الكرتون لشخصية إنسان أو حيوان . ويمكن أنْ تكون شخصية خيالية لا وجود لها في الواقع، يخترعها المؤلِّف أو المخرج أو المُعلِّم . حيث تقوم هذه العرائس بمخاطبة الأطفال أو المُتفرِّجين . وقد تطوَّرت العرائس عبر التاريخ، واستفادَت مِن التقدُّم العلمي والتقني، أُسْوَة بالمسرح الآدمي . فتحوَّلت إلى فَنّ عالمي راقٍ، له أُسُسَه وركائزه . لقد وُلدَ هذا الفَنّ مع الكبار، ومازال يُخاطِب الكبار والصغار . وفي فترة مُتأخِّرة مِن تطوُّر هذا الفَنّ، ومع بروز التيارات الحديثة في المسرح، تبلور اتجاه جديد، ما لَبَث أنْ أثبَتَ نفسه وترسَّخ، هو فَنّ المسرح الأسود، الذي يُعتبر فرعاً مِن مسرح العرائس . حيث اعتمد اعتماداً أساسياً على تطوُّر فَنّ الإضاءة وترسُّخها كعنصر هام وفعَّال مِن عناصر العرض المسرحي على اختلاف أنواعه، من جانب، كما اعتمد على تطوُّر نظام الألوان وظهور اشتقاقات لونية جديدة لم تكُن معروفة سابقاً، من جانب آخر . وسوف نتناول موضوع المسرح الأسود بتفصيل أكثر على الصفحات القادمة . الإخراج المسرحي : الإخراج المسرحي فَنّ مِن الفنون الحديثة نسبياً، حيث ظَهَرَت هذه الوظيفة في بداية القرن العشرين، بينما كان الإخراج في الماضي عمل المُمثل أو المؤلِّف . والمُخرج هو الشخص الذي لديه رؤيا، فيرى العمل مُتكاملاً قَبْل التحضير له والبَّدء فيه والتدريب عليه واكتماله . وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في العمل، ويجب أنْ يَسمَع له المُمثلين والعاملين في المسرح . إنَّه يسمع لآراء الآخرين، لكنَّه صاحب الكلمة الأخيرة . أما عمله فيكون على النحو التالي : ( 1 ) اختيار القصة أو النَّصّ . ( 2 ) اختيار المُمثلين . ( 3 ) توزيع الأدوار والأشغال . ( 4 ) تدريب المُمثلين على أدوارهم . ( 5 ) مُتابعة تنفيذ هذه الأعمال : الديكور، الإضاءة، الموسيقى التصويرية، تصميم الملابس، وتصميم الأشكال والرسومات المُستخدَمة . هذه الأمور يقوم بها أناس مُتخصِّصون، لكن على المُخرج مُتابعتهم والإشراف عليهم حتى يضمَن تنفيذ وتحقيق رؤيته الكاملة للعمل الفني . الكنيسة والمسرح : الكنيسة في عصورها الأولى، مع الأسف الشديد، اضطَهَدَت المسرح باعتباره رمزاً مِن رموز الوثنية، التي تُبعِد الإنسان عن عبادة الرب . ذلك لأنَّ المسرح الروماني، واليوناني أيضاً، كان يَستمِدّ مُعظَم موضوعاته مِن قِصَص الآلهة . وكان يُعبِّر عن حالة المجتمع، الذي هو في نَظَر الكنيسة ذلك العالَم الشرير الساقِط في الخطية . لذلك اضطَهَدَت الكنيسة العمل المسرحي، ومَنَعَت شعبها مِن الذهاب إلى المسرح، أو حتى مُجرَّد العمل الوظيفي في ذلك المجال . لكن بعد أنْ أعلن الإمبراطور قُسطنطين المسيحية الدِّين الرسمي للدولة، أصبح للكنيسة نفوذ وسُلطة، فبدأت في تنفيذ سياساتها الاضطهادية تجاه المسرح . فصدر أمر بابوي في القرن السادس بإغلاق دور المسرح، ومُعاقَبَة كلّ مَن يقرأ قِصصاً لكتَّاب يونانيين . وحتى القرن العاشر، اختفى وجود المسرح ونشاطاته . واقتصَر نشاطه على بعض الاسكتشات التي كانت تَسخَر مِن الكهنة، الأمر الذي زاد مِن سَخط الكنيسة على المسرح . لكن في القرن العاشر تقريباً، بدأ بعض الرهبان والراهبات يقرؤون للفلاسفة والكتَّاب الرومان واليونان . فبدأ ظهور بعض الاسكتشات الصغيرة المكتوبة لتعليم الشعب المسيحي المبادئ المسيحية . ثم دخلَت الدراما في العبادة، فكان الكهنة يمثِّلون، أثناء القداس الإلهي، حوار المسيح مع المريمات بعد قيامته . ثمَّ تطوَّرت الفكرة وأصبَحَت تُقدَّم خارِج الكنيسة . وبعد ذلك بدأت تظهر عِدَّة تمثيليات عن أهمّ الأحداث الكتابية، مِثل الخليقة والسقوط والميلاد والقيامة . ثم ظَهَرَت نوعية المسرحيات التي تحكي سِيَر القديسين والشهداء . ومع أنها كانت بأسلوب خيالي خارقي، إلا أنَّها كانت خطوة تطوُّر هامة جداً في علاقة الكنيسة بالمسرح . ثم ظَهَرَت المسرحيات الأخلاقية، وهي أرقى أنواع الدراما التي ظَهَرَت في الكنيسة . كلّ ذلك كان يُشكِّل التُّربة الخصْبة التي خرج مِنها شكسبير بأعماله الفنية الخالدة، والتي مِنها انطلقَتْ عَجَلة التطوُّر المسرحي . لقد كانت الكنيسة نقطة بداية انطلاق المسرح العالمي بعد مُعاداته . أمَّا اليوم، فقد تنبَّهت لأهميته ودوره الفعَّال في رسالتها، وفي توصيل الأفكار، وتجسيد القصص الكتابية، وتستثمِر كلّ ذلك لصالح الخدمة الروحية . المسرح الأسود لماذا هذه التسمية ؟ لأنَّ المسرح يكون مُظلِماً تماماً، وكلّ شيء فيه يكون أسوداً، مِن ملابس المُمثلين، وجميع ستائر المسرح وقاعة العَرض أيضاً تكون سوداء . بحيث لا يظهَر أيّ شيء سواء مِن وجوه المُمثلين أو أجسادهم، ولا شيء مِن أرضية المسرح وسَقْفه . إلا ما يريد الممثِّل إظهاره . ولا يُسمَح بأيّ مَصدَر ضوء، إلا الأشعة فوق البنفسجية، لأنَّ هذا مِن شأنه كَشْف العمل وإفساد مُتعَة المُشاهَدة . أما ما يراه المُتفرِّجون فهو ما يظهَر فقط على المسرح في عُمق الظلام، سواء كان ثابتاً أو مُتحرِّكاً، بالألوان الفسفورية فقط . حيث يستقبِل الأشعة فوق البنفسجية مِن مصدر الضوء الخاص ( اللمبة السوداء ) . وهناك مواد مُعيَّنة ذات خاصية فسفورية تتوهَّج توهُّجاً ساطِعاً في الظلام عندما تسقُط عليها تلك الأشعة . والملابس أو الرسومات أو الأشياء، المَطليَّة أو المُغطَّاة بالألوان الفسفورية، سوف تسطَع أمام تلك الأشعة فقط، وليس أي ضوء آخر . هذا النوع مِن المسرح يُتيح للمُخرِج رؤًى تشكيلية لا يجدها في الأنواع المسرحية الأخرى . فالمسرح الأسود يتفوَّق على المسرح الآدمي، لأنَّه يتَّخِذ بُعداً جمالياً وتعبيرياً مُختلفاً . مثلاً، الكُتلة المُعلَّقة في فراغ المسرح المُظلِم بامتدادها الحركي، تتحوَّل إلى خَطّ، والخَطّ يتحوَّل إلى دائرة . وقد تتبدَّل صِفات ذلك الخَطّ وسُرعة حركته .. الخ . إنَّ هذه المُعطيات وغيرها مِن الإمكانيات، توفِّر للمُخرج المُبدِع إمكانيات فنية وتقنية كبيرة في رَسْم المَشهَد المُراد عَرضه . فهو مسرح جذَّاب للكبار والصغار، لذلك فهو إحدى الحلول المُثلى للتغلُّب على مشكلة قِلَّة العدد في المدارس الأحدية في الكنيسة المحلية . إنَّ مِثل هذه العروض التشويقية، للكبار والصغار، التي تناسب كافة المستويات الثقافية والاجتماعية، تفتح الباب على مصراعيه لجذب عدد كبير . كما أنها تفتح الباب لمشاركة عدد ليس بقليل فيها . إنَّ المسرح الأسود ليس فَنَّاً سَهلاً أو رخيص التكاليف . والتحضير له والعمل فيه ليس بالأمر الهيِّن . إنَّ مسرحية مُدَّة عرضها 30 دقيقة مثلاً، ربما تحتاج للتحضير والتدريب حوالي 200 ساعة . هذا الفنّ الجميل الصَّعب ليس في متناول الجميع، فنياً أو مالياً، خاصة عندما يقتَصِر عَرضه على الأطفال . الممثل : المُمثِّل في المسرح الأسود لا يظهَر أبداً، لكن اختفائه لا يكون خَلْف الكواليس، بَل إنَّه يغرَق في الظُلمة التي تُحيط به مِن كلِّ جانب . مُرتدياً لباسه الأسود، ممَّا يرفع درجة الإحساس بالوَهْم لدى الجمهور، وبالتالي ترتقي مَلَكة تذوُّقهم الفنِّي، ممَّا يحقِّق التأثير المطلوب . فيجب على الممثِّل هنا أنْ : أ0 يرتدي ملابس سوداء سميكة، بحيث لا تكشِف ملابسه الداخلية الملوَّنة . ويلبس في يديه قفازاً أسود . ويغطِّي قدمَيْه جيداً . كما يغطِّي وجهه بغطاء به فَتَحات تسمَح له بالرؤية والتنفُّس . ب0 تتميَّز حركته بالدِّقة والتزامُن . دِقة الحركة التي يؤديها، أو حركة الشَّكل الذي يَعرِضه، فتكون حركة انسيابية بدون تشنُّج وبدون تسرُّع، وتكون بزاوية عمودية في مواجهة الجمهور بدون أيّ انحراف . كما يجِب أنْ تكون الحركة مُتزامِنة مع إيقاع الموسيقى أو الكلام المُسجَّل المُذاع، أو مع حركة المُمثل الآخَر . العَرض : يعتمد العَرض في المسرح الأسود على بروز الشخص أو الشكل أو الرسم أو الكلمات أمام الإضاءة فوق البنفسجية . لذلك فالمسرح الأسود يخاطِب أساساً عَين المُتفرِّج بلُغة الخُطوط والتشكيلات والإيحاءات والكلمات البارزة . وذلك بالاعتماد على النَّصّ الدقيق، والموسيقى التصويرية المُناسِبة، والمؤثرات الصوتية التي تؤكِّد معاني المُشاهَدة . ويكون العَرض بإحدى هذه الطرق، أو بعضها : أ0 تشكيلات عن طريق : الانتشار أو الاختفاء أو الظهور أو التدرُّج . فيتحرَّك الشيء في فراغ المسرح بحرية تامة، فيطير وينفصِل ويتصِل ويختفي ويدور ويظهر ثانية . ب0 شخص يرتدي زيَّاً فسفورياً كاملاً، أو يغطي جزءاً لإظهار جزء آخر من جسمه، كالأرجُل أو الأيدي . حتى أنَّ المُمثل هنا يستطيع أنْ يُظهِر أجزاءً مِن جسمه كأنها منفصلة عنه . ج0 أنبوب من القماش المحشو بالقطن أو الإسفنج أو القصاقيص، يُثبَّت على جسم المُمثل مُتخذاً شكل الرأس والجزع واليدين والرجلين . ويكون لونه أبيض أو فسفوري . د0 أشكال مُجسَّمة، لحيوان أو طائر أو كرة أرضية، أو رسومات . وتكون أيضاً باللون الأبيض أو الفسفوري . ويجب مراعاة تناسق الأحجام مع بعضها البعض . ه0 شخص أو شيء يبدو مُعلَّقاً في الهواء، يقف على مقعد مغطَّى بالأسود، أو مربوطاً بخيط . و0 عرائس ضَخمة تتحرَّك بواسطة عصيّ مِن الرأس واليدَيْن والرِّجْلَيْن، بأيدي المُمثلين المُختفين في ظلام المسرح . وهذا الأمر يحتاج إلى تدريب كثير، حتى يتمكَّن مُحرِّكو الدُّمية مِن ضبط حركتها وإضفاء الحركة الطبيعية عليها . ز0 أشياء طويلة مُتحرِّكة، مِثل قطار أو حيَّة . ح0 طيور تطير في الهواء، برسومات أو بالكفوف البيضاء على شكل حمامة . ط0 زهور تتفتَّح، أو زَرع ينمو . ي0 أمطار تتساقَط، أو أحجار تتطايَر . ك0 تلوين أو تُغطَّية العناصر مِن أَحَد وجهَيْها باللون الفسفوري، بينما تكون الناحية الأخرى سوداء . وفي حالة الاستدارة تختفي هذه العناصر . وبالعكس، عندما تكون الواجهة السوداء ناحية الجمهور، ففي حالة الاستدارة يظهر العنصر فجأة أمامهم . ل . شمسية تحمل عنوان المسرحية أو الكلمات البارزة أثناء العرض، بحيث تدور في مواجهة اللمبة السوداء . تركيب المسرح وترتيب القاعة : أ0 يجب أنْ يكون المسرح عبارة عَن صندوق مُظلِم تماماً مِن كافة جوانبه وزواياه . ويتمّ تركيبه مِن ثماني ستائر : ( 1 ) ستارة أمامية، مِن قطعتَيْن يسهُل فتحهما وغلقهما بحسب الحاجة . ( 2 ) ستارة خلفية مِن قطعة واحد، تغطي الحائط الخلفي للمسرح بكامله . ( 3 ) ستارة لتغطية سقف المسرح بكامله، وإخفاء أي شيء معدني أو لامع . ( 4 ) ستارة على الجانب الأيمن، لدخول وخروج المُمثلين . ( 5 ) ستارة على الجانب الأيسر، لدخول وخروج المُمثلين . ( 6 ) ستارة في الوسط ناحية الخَلف، بارتفاع 2.5 متر تقريباً، لعرض بعض الأشياء مِن فوقها . ( 7 ) ستارة في الوسط مُنخفضة أمام السابقة، بارتفاع 1.5 مِتر تقريباً، لعرض بعض الأشياء مِن فقوها . ( 8 ) ستائر جزئية، لتغطية بعض الأعمال المعروضة، مثل شجرة أو زهرة . ب0 يجب تغطية كلّ شيء يلمع، سواء داخل المسرح أو جهة السقف، أو في قاعة العرض جِهة المسرح، أو على أجساد المُمثلين . فأيّ شيء أو جُزء موجود على المسرح وليس تابعاً للمشهَد، سوف يعكس ضوءاً، ممَّا يجعَل المُشاهدين يرونَه، فتُفسَد متعة المشاهدة . ج0 يجِب تغظية كافة أبواب ونوافذ القاعة بإحكام، بالقماش الأسود أو أكياس بلاستيك سوداء . وأيَّة لوحات ولافتات أو حوائط ذات ألوان فاتحة مواجِهة للمسرح . د0 يمكن وَضْع إشارات فسفورية في أرضية المسرح، وعلى أطراف الستائر الخلفية والجانبية، تبيِّن للمُمثلين الطريق وتدلّهم على التحرُّك الصحيح على المسرح وسط الظلام . الأشعة فوق البنفسجية : تتسرَّب هذه الأشعة مِن داخل أنبوب لمبة الفلورسنت إلى خارجها، ولا خوف مِن هذه الأشعة، إلا أنَّ التعرُّض لها مُباشرةً عن قُرب، لفترة زمنية طويلة، يمكن أنْ يسبِّب مُشكلات صحية غير مباشرة . إنَّ هذه الأشعة التي تتولَّد أصلاً داخل أنبوب الفلورسنت تكون حبيسة، لأنَّ بطانة الفسفور الداخلية التي تُبطِّن الأنبوب مِن الداخل تَمتَصّها، إلا أنَّ قَدراً يسيراً قَد يتسرَّب إلى خارج الأنبوب ويبقى حولها . مِن هنا فإنَّ هذه المصابيح التي تتركَّب من أنبوب واحِد تكون أكثر أماناً من تلك التي تتركَّب مِن أكثر مِن أنبوب، كما في بعض لوحات الإعلانات . يستخدم خُبراء الآثار بالمَتاحِف هذه الأشعة للتحقُّق مِن التُّحَف والقِطَع الأثرية المُقلَّدة، حيث أنَّ مُعظم مواد الطِّلاء الحديثة تحتوي على مكوِّنات فسفورية . كما يستخدمها ضُباط الأمن للتعرُّف على العُملات المُزيَّفة، حيث تقوم هيئات صَكّ الأوراق المالية في مُعظم بلدان العالم بعمل شريط فسفوري رفيع داخل العُملات الورقية، لا يُرى بالعين المُجردة، لكنَّه يلمَع عند تعرُّضه للأشعة فوق البنفسجية . كما يستخدمها خُبراء الطِّبّ الشَّرعي وأجهزة الاستخبارات لتحليل مسارح الجريمة ورَفع بصَمَات الأصابع بواسطة مَسْحها بصَبغة مِن الفسفور . توضَع اللمبة الفلورسنت السوداء في الأمام، على أرض المسرح أو مُعلَّقة أعلاه . ويجب الحذر مِن أنَّ أي شيء يقَع بين اللمبة السوداء والشيء المُراد إظهاره، سوف ينكشِف ويُفسِد المَشهد . لذلك يجِب الانتباه أثناء التحرُّك على المسرح أو تحريك الأشياء والرسومات عليه أثناء العرض، ألا تأتي أمام بعضها البعض . خطوات التحضير للمسرح الأسود : ( 1 ) فِكرة العمل : يمكن أنْ تكون قِصة أو فِكرة كتابية . يتقدَّم بها المُخرج أو المؤلِّف أو أحد المُمثلين أو أحد العامة . ( 2 ) كتابة النَّصّ : يُراعى فيه دقَّة الألفاظ وسهولتها، واختصارها قَدر الإمكان . ( 3 ) مُراجعة النَّصّ : قراءته أكثر مِن مرَّة، للتأكُّد مِن بساطته، لا سيما إذا كان العمل فقط للأطفال . وللتأكُّد مِن عدم تكرار الأفكار . هذا هو الوقت الوحيد المناسِب لإجراء أي تعديل، لأنَّه بعد تسجيله وبَدْء التدريب عليه وأثناء العرض، لا يمكن تغيير أي كلمة أو حَذفها أو تبديلها . ( 4 ) تقسيم العمل إلى أجزاء : [أ] مُقدمة : يُعرَض فيها عنوان العمل، وأسماء فريق العمل والمُخرج . ويمكن استخدام الشمسة . أو كتابة جميع الأسماء على لوحة واحدة من الكرتون أو القماش الأسود أو الفلِّين الأبيض . أو كتابة كلّ اسم على حِدة . [ب] مَدخَل : عبارة عن مُقدمة مُشوِّقة عَن الفِكرة أو القصة . ويمكن استخدام شخصية ثابتة كمقدِّمة ثابتة لكلّ عمل جديد، مثل شخصية ( ماغو ) . [ج] فصول : يُقَسَّم النَّص إلى فصول، ويتمّ تسجيل كلّ منها على حِدة . لكلّ فصل مِنها فِكرة مُرتبِطة ومُتسلسِلة مع الفِكرة السابقة والتالية لها . ويمكن أن يتخلَّل النص ترنيمة صغيرة مناسبة للقصة . [د] خاتمة : تعليق ختامي مُركَّز على فِكرة العمل في جُمَل قصيرة . ويمكن اختيار ترنيمة حماسية مُناسِبة لفِكرة العمل، يتحرَّك معها المُمثلون والأعمال والرسومات التي استخدموها في العرض على إيقاع الموسيقى . ( 5 ) تسجيل الأصوات : صوت راوي أو أكثر & أصوات المُمثلين & الأصوات المُرافِقة للعرض، مِثل : الموسيقى التصويرية، المُؤثرات الصوتية ( ريح، أمطار، حيوانات، صُراخ، ضَحك، فتح باب، جمهور .. الخ ) & الترانيم المرافقة & الترنيمة الختامية . يجب مُراعاة دقَّة خروج الألفاظ أثناء التسجيل، والسَّكتات أثناء الكلام، ونقاوة الصوت . لذلك مِن الأفضل أنْ يقوم بهذا العمل شَخص مُتخصِّص . إنَّ هذه الأصوات لا تكون بالضرورة هي أصوات المُمثلين، بل مَن لديهم إمكانية الصوت الواضِح القادر على التنوُّع، ومخارج الألفاظ الصحيحة، حتى لو لم يكونوا من الممثلين . وعلى المُخرج الاستماع جيداً أكثر مِن مرَّة للتسجيل قبل البَدء في التدريبات . ( 6 ) تحضير الأعمال : أي الملابس والأشكال والرسومات، وكتابة الأسماء والكلمات البارزة . واختبارها جيداً أمام اللمبة السوداء . هذه الخطوة يحتاج فيها المُخرج لمَن لديهم مواهب في الرسم والكتابة والتفصيل والخياطة، الذين يمكن أنْ يكونوا مِن غير المُمثلين أيضاً . ( 7 ) توزيع الأدوار على المُمثلين : يُفضَّل كتابة النص كاملاً مع توزيع الأدوار على كلّ مُمثل، مع بيان الحركة التي سيؤديها، وتوقيتها بالتحديد، ومدّة عرضها بالثواني . ( 8 ) يجتمع الفريق : للاستماع للعمل بعد تسجيله أكثر مِن مرَّة . ويتخيَّل كلّ مُمثل الدور الذي سيؤديه . وعلى المُمثلين أنْ يحفظوا العمل المُسجَّل بكلّ تفاصيله كاملاً . ويمكن استخدام المرآة، ليرى الممثِّل نفسه في الحركة التي يؤديها . ( 9 ) التدريب في الضوء العادي : على تزامُن الحركات مع الأصوات، كلّ مُمثل على حِدَة . ثم على تسلسُل الفصول لضبط سرعة العرض مع التسجيل والموسيقى . ( 10 ) توزيع الأعمال والمُمثلين : ثلاثة مجموعات على اللأماكن الثلاثة في المسرح : [أ] الجانب الأيمن . [ب] الجانب الأيسر . [ج] خلف الستارة الوسطى . ويُحدَّد لكلّ مجموعة منها شخص واحد مِنهم يتابع تسلسُل الأدوار وعرض الأعمال مِن خلال كَشف مكتوب بذلك الترتيب، على ورقة بحَجم كبير، أو مُظلَّلة باللون الفسفوري، حتى يستطيع رؤيتها في الظلام أثناء مُتابعة العرض . ( 11 ) تصوير التدريب : بالفيدو لمشاهدَته مِن قِبَل المخرج والممثلين معاً، حتى يتعرَّف كلّ واحد على ما قام به بشكل جيد، واكتشاف الأخطاء التي وقع فيها، لتفادي الوقوع فيها وفي أمثالها أثناء العرض . ( 12 ) إعداد المسرح : قَبل وقت كافٍ مِن يوم العرض، لتجنُّب أيَّة مفاجآت . ( 13 ) إعداد القاعة : بإظلامها إظلاماً جيداً، قبل العرض بيوم على الأقلّ . ( 14 ) توزيع مسؤوليات أخرى خارج المسرح : مِثل استقبال الضيوف، تخصيص الأماكن الأمامية للأطفال & إطفاء القاعة في الوقت المُحدَّد، وإضاءتها في الوقت المُعيَّن لذلك في نهاية العرض & مُتابعة المُتفرِّجين أثناء العرض لضمان عدم التحرُّك أو التعليق أثناء العرض . ( 15 ) في يوم العرض، يجب أن تتأكَّد من كلّ شيء، لئلا تكون هناك رسومات أو أشغال أو أشكال حدث فيها تغيير نتيجة التدريبات في الأيام السابقة . ( 16 ) مراجعة الأدوار بدون تمثيل قبيل العرض . ( 17 ) التأكُّد من تشغيل اللمبة بالشكل الصحيح، وكذلك أجهزة الصوت . ( 18 ) كلمة افتتاح العرض : يجب أنْ تشمل : فِكرة بسيطة عن المسرح الأسود & فِكرة موجزة عن موضوع العرض أو القصة & أفضل مكان للمُشاهدة المُمتِعة هو في والوسط أو الخَلف، وليس على الأجناب المُتطرِّفة & الطلب مِن المشاهدين : إغلاق الموبايلات، عدم استخدام أيّ ضوء، عدم الدخول والخروج لأيّ سَبب، عدم التعليق أثناء العرض، عدم التدخين . ( 19 ) يجب أن تكون مستعداً لحدوث أي طارئ أثناء العرض، مثل انقطاع الكهرباء أو عُطل في الصوت . حيث يجب أن ينصت الجميع لتوجيهات المخرج .

هناك تعليقان (2):