الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

مفهوم الإخراج المسرحي

الإخراج المسرحي -------------------------------------------------------------------------------- ارتبط الإخراج المسرحي في بداية الأمر بالمؤلف المسرحي الذي كان يبدع النص ويرفقه بمجموعة من الإرشادات والنصائح والتوجيهات الإخراجية التي توجه الممثلين وتقدم لهم مجموعة من الملاحظات التي قد تنفعهم في التشخيص والأداء والنطق والتحرك فوق الخشبة، وهذا الأمر كان سائدا في المسرح اليوناني والمسرح الروماني والمسارح الغربية وخاصة مسرح شكسبير الذي طعم بالكثير من هذه التوجيهات الإخراجية. وبعد ذلك، انتقلت مهمة الإخراج إلى أبرز عضو في الفريق وأحسن ممثل له تأثير كبير في إدارة الفرقة وتسييرها. ومع امتداد القرن العشرين، سيكون المخرج ممثلا فنانا ومعلما مدربا ومديرا إداريا يتولى الإشراف على المسرح الذي يشتغل فيه مؤطرا للممثلين وباحثا عن أحدث التجارب المسرحية نظريا وتطبيقيا. ولم يظهر المخرج المسرحي إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وسيقترن اسمه بالريجيسور Régisseur ، مع العلم أن مصطلح الإخراج كان متداولا منذ العشرينيات من هذا القرن. أما أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي فكان الدوق جورج الثاني حاكم مقاطعة ساكس ميننجن منذ أن قدم أول عمله الإخراجي سنة 1874م، فحاول بذلك تطوير المسرح الحديث على أسس إخراجية جديدة. إذا، ماهي أهم المدارس الفنية التي تبناها الإخراج المسرحي الغربي في مسيرته الإبداعية ؟ وماهي أهم المناهج الفنية والتقنية التي اعتمد عليها هذا الإخراج المسرحي؟ أ- الاتجاه الواقعي في الإخراج المسرحي: 1- ساكس ميننجن ودقة الواقعية التاريخية: يعد ساكس ميننجن أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي، وقد ساهم في إنتاج الصورة المسرحية التشكيلية ذات البعد الجمالي التي تشمل كل عمليات العرض المسرحي. وقد ثار ميننجن على مقومات المسرح التقليدي والنظم البالية وفكرة النجومية، واستبدلها بالأسلوب الجماعي في العمل وتنويع المستويات فوق الخشبة تفاديا للرتابة التي تطرحها الخشبة ذات المستوى الواحد. وطبق كذلك نظام الصرامة والانضباط في تدريب الممثلين وتوجيه أعضاء فرقته. وبالتالي، أوجد نظام الممثل البديل وحركة المجاميع التي تقوم على ممثل بارز يقوم بتأطير مجموعة من أتباعه، وكان لساكس ميننجن تأثير كبير على الكثير من المخرجين الغربيين وخاصة الروسي ستانسلافسكي، والألماني راينهاردت، والبريطاني إرفنج. ويمتاز ماكس ميننجن بالدقة التاريخية والأصالة الواقعية في التعبير المسرحي، ولاسيما في مسرحيته التاريخية” يوليوس قيصر” التي حاكى فيها القالب التاريخي الروماني على مستوى السينوغرافيا والديكور والإكسسوارات. ب- الاتجاه الطبيعي في الإخراج المسرحي: 2- أندريه أنطوان بين الطبيعية ونظرية الجدار الرابع: يمتاز أندريه أنطوان( 1858-1943) صاحب المسرح الحر بالواقعية الفوتوغرافية في المسرح الحديث متأثرا في ذلك بالمذهب الطبيعي لدى إميل زولا . إذ كان ينقل أندريه أنطوان تفاصيل الحياة الواقعية الطبيعية إلى خشبة المسرح بشكل حرفي ( مسرح طبق الأصل)، وهو كذلك صاحب نظرية الجدار الرابع التي تنص على احترام علاقة الممثل بالمتفرج من أجل خلق مسرح الإيهام. ج- الواقعية السيكولوجية: 3- قنسطنطين ستانسلافسكي والواقعية الداخلية في التمثيل: اعتمد قنسطنطين ستانسلافسكي المخرج الروسي الكبير في تدريبه على الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية، وكان يوفق في منهجه بين المقاربة الواقعية والمنزع السيكولوجي. و كان ستانسلافسكي يستهل دروسه اليومية بكتابة الأهداف والنظريات والتوجيهات عند مداخل أبواب مسرحه الذي يقع في وسط موسكو لتكون بمثابة مداخل أساسية وأهداف إجرائية للتدريب والتمثيل. وكان ستناسلافسكي يحث ممثليه على الصدق والإيمان والتفاعل مع الدور ومعايشته عن قرب والاندماج في الشخصية ونقل الحياة الواقعية إلى الخشبة وفهم الشخصية فهما دلاليا ونفسيا. وقد اعتمد ستانسلافسكي على مسرحيات تشيكوف وإبسن ودويستفسكي في التمثيل و التدريب. وكانت المسرحية تقرأ على الممثلين قراءة حرفية ثم تشرح لغويا ودلاليا، وبعد ذلك تحدد مقاصدها السياقية المباشرة وغير المباشرة. وبعد الانتهاء من عملية القراءة، تقسم المسرحية إلى أهداف عامة وخاصة وجزئية بطريقة سلوكية تعتمد على الأهداف الإجرائية. وينطلق الممثلون في قراءة أدوارهم المسرحية ودراستها وتقسيمها إلى أفكار وأهداف أدائية قصد فهم الفكرة العامة. وتأتي فرصة التدريب على الدور من خلال الإسقاط النفسي الطبيعي والاعتماد على الذاكرة الانفعالية الطبيعية واستحضار التجربة الشخصية عبر المشابهة واستقطار الذاكرة وتهييج الانفعالات مع الابتعاد على التوتر النفسي وتعويضه بالتركيز والانتباه. هذا، ويستعين المخرج في تدريبه بأسلوب الافتراضات والاحتمالات الشرطية أو السلوكية معتمدا على طريقتي” لو” و” إذا” وذلك لفهم المواقف وتشخيص السياقات الأدائية ومعرفة الدور جيدا والتغلغل في أعماق الشخصية. ويلتجئ الممثل عند الممارسة إلى الارتخاء العضلي وممارسة مجموعة من الحركات الرياضية والعلوم والفنون المساعدة كالموسيقا والباليه والرقص والترويض النطقي. وينتقل الممثل من التأمل العقلي لدوره إلى أجرأته ركحيا من خلال الجمع بين الكلمة والحركة والتشخيص الواقعي الحي، ولابد من الارتجال في عملية التمثيل من أجل إتقان الدور ومعايشته. ويعد ستانسلافسكي أول مخرج أعاد إحياء تقنية الارتجال إلى الخشبة بعد أن استخدمتها الكوميديا دي لارتي الإيطالية في القرن السادس عشر الميلادي. و كان الممثلون ينتقلون إلى الأماكن التي لها علاقة بالدور المسرحي، أو ينتقلون إلى بعضهم البعض داخل المنازل لمعرفة الظروف الشخصية والنفسية التي يمر منها كل ممثل والتي قد تؤثر سلبا على الدور التمثيلي فوق خشبة الركح من أجل الحفاظ على الانسجام النفسي والاجتماعي بين أعضاء الفرقة. ومن هنا، فستانسلافسكي يعتمد على السيكولوجيا الداخلية في التدريب والعمل على نقل الواقع بصدق ومعايشة حقيقية. د- الاتجاه الواقعي الجديد: 1- ماكس راينهارت والانتقاء المنهجي: يعد المخرج ماكس راينهاردت Max Rienhardat من المخرجين الألمان البارزين الذي انزاحوا عن النمط الواقعي المباشر، وقد تمثل في إخراجه المسرحي خصائص الواقعية الجديدة أو الحرفية الميكانيكية الجديدة. وقد اقترن راينهاردت بالتمثيل وإدارة الممثلين ، وعرف كذلك بأسلوب الاستعراض المسرحي لذلك لقب بسلطان الاستعراض الكبير. وقد جرب رينهاردت عدة أساليب وأشكال مسرحية؛ مما جعل طريقته تعتمد على الانتقاء والتوليف بين المناهج الإخراجية. 2- جاك كوبوه والتمثيل الصامت: يعد جاك كوپوه Jacques Copeau من أهم المخرجين الفرنسيين الذين نهجوا منهج الاعتدال والتعقل في مجابهة الواقعية التفصيلية. وقد دخل عالم المسرح من باب الصحافة وعتبة النقد الأدبي، وكان إخراجه يعتمد على النطق السليم الواضح والتمثيل الصامت المعبر والاشتغال على الفضاء الفارغ على مستوى الديكور والسينوغرافيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق