الأحد، 9 أكتوبر 2011

الميزانسية (الحركة على المسرح)

الحركة على المسرح من الوسائل التعبيرية التي يوظفها المخرج لترجمة أفكاره وأهدافه وتحويل النص المسرحى من الصورة الحوارية الى صوره نابضة بالحياة وإيصالها بأفضل الطرق، مستعيناً بتحليله لتلك الحركات وفق أنواعها وأشكالها بأبعادها وتراكيبها التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحدث من جهة، وبالأبعاد الثلاثة للشخصية (الطبيعية و الاجتماعية و النفسية) من جهة أخرى، لتصوير معطيات فكرية وفنية وجمالية تكون الأساس في مد الجسور بين العرض والمتلقي. إذ تتوافق الحركة مع أغراضها التي تحركت باتجاهها، سواء أكان هذا التحرك عمداً أم تلقائياً، فالهدف من الحركة يرتبط بمعطيات الشخصية المرسومة بما يتلائم ومرجعياتها داخل العرض إذ ليس هناك من يكشف عن مضمون المسرحية ولغزها اكثر من الحركة والإيماءة فمن الممكن للمرء إذا أراد، ان يختفي أو يتوارى خلف الكلمات أو اللوحات أو التمثيل أو غيرها من أنواع التعبير الإنساني، ولكن في اللحظة التي يتحرك فيها ينكشف المرء وتبدو حقيقة الشخصية واضحة المعالم : ( خير/ شر/ خبث/ وداعة ...... الخ ) . فالحركة هي حاملة المشاعر والمعاني إذ لا يمكن ان نتجاهلها بأي شكل من الأشكال، وهي صورة حقيقية سواء تواجدت مع الفعل أو مع رد الفعل، وهي فلسفة متكاملة تناقش موضوعاً متكاملاً وناتج هذاالحوار هو العرض المسرحي بتوليداته وصراعاته، فأية فلسفة تنبثق من الحركة سوف تحدد فلسفة العرض وبغض النظر عن اتجاهات ومذهبيات أو أساليب ومناهج تلك الفلسفة، كانت أم طبيعية، رمزية أو تعبيرية، لأن المسرح بطبيعته يحتاج الى تحليل كبير للشفرات المتولدة منه، وأننا قد لا نحتاج الى جميع الحركات أو لهذا الكم الهائل بل نحتاج للوصول الى نموذج حقيقي أو نماذج حركية تعبر عن تعددية الفعل وردوده لإيصال تلك الأفكار بأساليب متعددة. إن الحركة على المسرح في تغير دائم ولا يمكن بطبيعة الحال حصرها وفق المفاهيم الطبيعية ونقلها نقلاً ايقونياً، أي بمعنى ان تكون ذات وظيفة رسمية محددة أو أحادية الجانب، إذ تعاملت بعض الاتجاهات الإخراجية مع الحركة على أساس انها مدلولات طبيعية وبهدف تقريبها من الواقع لتفادي السقوط في فخ المبالغة التي تبعدها عن المألوف فتصبح عندئذ حركات غير مألوفة. ويمكن استخدام هذا الأخير قصدياً في المسرحيات اللامعقولة،مع مراعاة الانتباه لأن لا تفقد معناها لتصبح حركات عشوائية، لأن الحركات إذا فقدت معناها ومشاعرها ستؤدي بالمتلقي الى التشتت والتخبط وتقطع ذلك الخيط الشفاف الذي يربطه بالعرض و”بالرغم من وجود حركات مطلقة كثيرة في الواقع فأن هناك حركات تقود العلاقات المتبادلة بين الشخصيات نحو هدف من الأهداف.. لأن جميع الأفكار النابعة من المسرحية يؤمَنُ وصولها عن طريق الإيماءة والحركة، حتى وأن كان الحوار سمة بارزة فيه، لأن مسرحيات الأفكار لا يمكن لها ان تمد جسور الفهم والتلقي إلا عن طريق الحركة والإيماءة فاستخدامهما كوسيلتين صادقتين للفكرة وإيصال معانيها المطلوبة. ويمكن استغلال الواقع كمنطلق إذ ما ينطبق على الكون يمكن ان ينطبق على المسرح أي أن التغييرات التي تحصل في الكون لا تتأثر بتغييرات في جوهر الذرات بل في حركتها وتغير ترتيبها بالنسبة لبعضها، فالشخصيات في المسرح لا تتوضح من خلال التغييرات والتحولات، إنما تتوضح من خلال حركة الشخصيات وتغيير ترتيبها على المسرح بالنسبة لبعضها البعض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق