الأحد، 9 أكتوبر 2011

فن كتابة المونو دراما

فن كتابة المونو دراما في البدء علينا لزاما تعريف مفردة (المونو دراما) الاغريقية الاصل المشتقة من كلمتيـن (مونو Mono ) وتعني (واحد) و (دراما Drama) وتعنـي (فعلا) او مسرحية ومعنى الكلمتين بالكلية (مسرحية الشخص الواحد). وقد ضرب هذا النمط من انماط التجارب المسرحية جذوره عميقا في تاريخ المسرح الاغريقي على يد ممثل يدعى (تثيبس) (THespis) الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد حيث كان يجر عربته الخشبية بيده ويجوب بها شوارع (اثينا) القديمة ليبدأ بعرض نوع من انواع المسرحيات ذات الشخصية الواحدة وكان يتناول من خلال عروضه تلك، مجمل السلوكيات الانسانية والنوازع الذاتية الخاطئه. ويبدو لنا بإن الأختلاف ليس كبيرا ً في الجهد الفكري والاحترافي الادبي بين الكتابة في فن او (أدب) المسرحية ذات عناصر الصراع الكاملة بما فيها تعدد الشخصيات وتناحر النوازع الجمعية والفردية داخل فكرتها الاصلية واخصاعها باسلوب يتفق مع منهج واسلوب المدرسة المخضوع لها النص ليصار بالتالي الى عرض جمالي متكامل ضمن روحية العرض الجماعية الى نتائج فضلى متوخاة من ذلك العرض , ابتدءا من من مشاهـد (الاستهلال) مرورا ً بالذروة (الصراع) او العقدة, واقفالا بالنهايات. وما بين فن كتابة (المونو دراما) ذات الشخصية الواحدة, بأعتبارها نمطا ً جديدا من أنماط الكتابة لـ (أدب المسرح) وأنموذجا مختلفا في صياغة الصراع للخروج بنتائج عرضية مسرحية تعتمد بالاصل على اظهار قوة فـرادة (الممثل) وطواعية ومرونة جسدة وعلو كعب حضورة المسرحي, ونضوجه الصوتي, وسمو ايقاعة الموسيقي, وارتقاء درجة قدرتة ايجابا في الاقناع وتأثيره المباشر على المتلقي باعتبارة الاداة الوحيدة لتوصيل الفكرة (الثيمة) برمتها للحصول على قيمة مثالية من مناخات الاستجابة. ومما يسعف (الممثل) و (المخرج) ليجولا بنفس ٍ متالق أخاذ مبدع, داخل ذلك الفضاء المحدد بأطر معنونه, ومساحات ذات مناخات ضيقة, وزمكانيات ثابتة مبتكرة, هو قيمـة (المنتج الادبي) المكتوب بدراية مشفعوعة بحصانة ادبية اكاديمية, وحسبي على الذي يقدم للولوج الى هذا المعترك الصعب المراس, أن يكون أبتدءا ً ذو نفس ٍ يغلفها او يسكن بجوفها (ممثلا جيدا) أو في أخصب الأحايين (يعرف من اين تاكل زند المشهد المسرحي). وتختلف الرؤيا والادوات الادبية وامعرفية للكتابة في فن (المونو دراما) عن الكتابة في المعارف الادبية المختلفة لكونها تعتمد على خمسة شرائط يجب ان تتوفر بظرفية صورية في ذاكرة المؤلف باعتبارها ركائز جوهرية في الشروع الابتدائي للكتابة وهي برأينـا:- 1- اللغة الاصلية . 2- لغة (المحاورة الوهمية). 3- فيزيقية الجسد (الممثل). 4- السينو غرافيا (صورة المشهد). 5- الدلالة السيميائية القصدية (الاشارة،العلامة،الكود، الايقونة). 6- كيفية التعامل مع شخصيات وهمية ( يثبت بالسيناريو). ان الكتابة في ادب المسرحيات الدرامية المحصنة باعمدة (الشخصيات المتعددة) تعتمد على (فعل درامي تبادلي) متعدد الفوارق بين الشخصيات لتطوير صيرورة الصـراع داخل (الحبكة) لاستخلاص العبرة الانتاجية الاجرائية الحتمية من جراء ذلك الصراع الجمعي وان تفرد في نواياها الخفيـــة نوازع (البطل) المتفرد وتسيده على الموقف العام ومن اجـل (تسيد البطل) على مجمل الاحداث بعامتها, علينا لزاما خلق شخصيايات مساندة ومساعدة له للوصول لمبتغاه الخططي الدرامي. في حين ان فن كتابة (المونو دراما) فينحاز ذلك الفعل الدرامي التبادلي الـى (فعل ذاتي) محض ينوب بذاته عن لعب الشخصيات المساندة وبالتالي ياخــذ (المؤلف) على عاتقه ايقاض النوازع النفسية البشرية بالجمع والافراد ويحول تلك النوازع والهواجس لشخصية بذاتها ويحولها الى مجموعة دوافع انسانية لايصالها الى مستوى الحتمية المتواخاة لتطوير نموها وتجسيد ابعادها داخل اوجه المناخات المختلفة المحاطة بها . ليحدد بعدها ردود افعالها وتفاعلها المنعكسه من خلال مرآة ذات الشخصية . ويسحبنا هذا الاستنتاج المتداخل الى تحديد او تصنيف (فن كتابة المونو دراما) الى مستويين وعلى النحو الاتي:- (1) * المستوى الذاتي * وهذا المستوى يعتمد على الشخصية داخل عوالم اكتشافية ذاتية داخل النفس البشرية فيكون الحدث او مجمل الاحداث تابعة ضما لها ومنساقة لرغباتها وتجول في محاور نوازعها فيكون منحى فعل الشخصية الاصيل في هذا المستوى من الخارج الى الداخل . (2) * المستوى الجمعي * وفي هذا المستوى تكون الشخصية فاعلة ومتفاعلة ومتحاورة مع شخصيــات ( وهمية ) خيالية اخرى تتفاعل ضمن الاحداث ومعها , يكون قد رسمها المؤلف عبر التصادم والتمازج التكويني المجتمعي المحيط بالشخصية, وهي بالتالي تساعد الشخصية الواحدة على توصيل الفكرة (الثيمة) عبر هذا (التفاعل الوهمي) المرئي, ويكون منحى فعل الشخصية الاصيل في هذا المستوى من الداخل الى الخارج. يحتاج فن كتابة (المونو دراما) مكنونات مميزة خارقة من (المؤلف) والى قدرة فائقة وخيال خصب ورؤية فاعلة ومؤثرة في مدى استطاعتها على نزع البواطن النفسية للذات البشرية واخضاعها الى ثواثب معينة يقدر من خلالها لجم كباح عنان استرسالها في السرد الهامشي الذي لا يخدم باي حال من الاحوال قيمة العمل المونودرامي بقدر التركيز على مفاتن اللغة وحصاد الموقف الرصين وثبات المشهد المحكم وليقيم علاقة وطيدة ما بينه وبين تلك الشخصية الواحدة وازعم ان علية ابتدءا ان يغشقها ويبكي عليها ويفرح معها ويلتاع معها ولها ليكون خلقة او ابتكاره الإبداعي أنشاءا ًصحيا معافى ، رغم انه يرزخ تحت جام غضب قلمه وربما حنقه وسخطه وتفريغ شحنات الغضب التي تصل الى مستوى تقيء الحروف على الورق قبل الكتابة , اوربما يسطر اروع الملاحم للمشاعر العاطفية والذاتية . يعتمد (العرض المونو درامي) على حرفية ودراية وعبقرية مؤلف, ورؤيا خصبة خلاقة لمخرج نجيب, وايجاد وتميز ممثل بطل, ليحققوا معا جلال الاستجابة لدى المتلقي (المتفرج). وفي رأينا إن على كاتب (المونو دراما) الذي يحاول ان يستضيف احدى تلك الشخصيات الوحيدة الشفيفة لتكون ضيفا جميلا داخل صومعة عزلتة المتقدة وهزاله الذهني المشوش وارتيابه الماخوذ بالشعر, ورؤاه المحلقة داخل الا مرئي, ان يكون معها امتع رفيقا واجمل حبيبا, وارق قلما, ويربت على كتفيها, ويتصالح معها, ويحاول ان ينتزع اسرارها الخفية الهوينا, لانها تنبض بالحياة مثله, او ربما افضل منه, ويمسح دمعة خجلة سقطت من حدقتها عنوة, وتمازجت مع دمعته النازلة من محجرية الذابلتين. وان يعرف اولا، واخيرا (من أين يأكل زند المشهد المسرحي). ويتأتى ذلك عبر امتلاك ناصية ادواته الفنية والتقنية، والإبصار المثالي في ملكاته الجمالية وخزين قراءاته المتراكمة، لكي يخلق حالة القفز النوعي في ماهيات ملاذاته التدوينية المونودرامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق