مينا ملاك (( طائر الليل الحزين )) مخرج مسرحى مؤلف وكاتب سيناريو وحوار .. مصمم أستعراضات شاعر وملحن .. وكاتب قصص
الأربعاء، 19 أكتوبر 2011
ضرورة المسرح
ضرورة المسرح
كثيرًا ما أتساءل ما أهمية المسرح بالنسبة للحياة؟ وهل يشكل المسرح ركنًا أساسيا لا* غني للناس عنه؟ وإذا* غاب المسرح هل سترتبك الحياة ويشعر الجمهور أن هناك شيئًا ضروريا قد* غاب عن حياتهم*! ووسط هذه التساؤلات تقفز إلي ذهني مقولة* "أرسطو*" في القرن الخامس قبل الميلاد*: "وُلد الإنسان ولديه ميل* غريزي للمحاكاة*"،* وتومض داخلي فكرة* "إرنست فيشر*" اللامعة في القرن العشرين*: "الفن ضرورة*.. آه لو أعرف لماذا؟*" ويأتي سحر المسرح ليتوج هذه المقولات*.. فللمسرح سحر يتجلي بصورة* غائمة وغامضة،* يلهث الكثيرون للوقوف علي هذا السحر وفك رموزه وطلاسمه*.. ولا شك أن حضور الفعل المسرحي حضورًا آنيا ومباشرًا أمام متفرجين يعيشون سياقا تاريخيا واجتماعيا مشتركا يمثل جانبا مهما في تفسير هذا السحر*.. فهذا الحضور المباشر يميز المسرح عن بقية الفنون كالسينما والفيديو التي يمكن وصفها بالفن* "المُعلب*" الذي تم تقييده داخل علبة بها شريط مكتمل من بدايته إلي نهايته*.. أما المسرح فهو الفن الذي ينبض بالحياة اليومية ويحتفظ دوما بالقدرة علي التجدد والتطور الذي يشترك فنانوه مع المتلقين في التواصل اللحظي بكل ما تحمله اللحظة من أحداث ووقائع وأحاسيس*.
وبسبب* "أرسطو*" و"فيشر*" وسحر المسرح الغامض أقتنع أن المسرح قادر علي البقاء والتميز وأنه لن يكون أبدًا فنًا كفنون* "الفولكلور*" التي انقرض بعضها بالفعل،* وبعضها آخذ في الانقراض*.. ولكن العبء الأكبر يقع علي عاتق المسرحيين حول العالم فعليهم العمل والبحث والاجتهاد والتطوير ليحتفظ المسرح بمكانته التاريخية وليظل مستحقًا للريادة والتميز باعتباره* "أبوالفنون*".. ويبقي قادرًا علي المنافسة وسط طوفان* "الميديا*" المتطورة بسرعة الصاروخ التي وصلت أخيرًا بفضل المنجزات التكنولوجية إلي الشاشات ثلاثية الأبعاد* "3* d*" التي تمنح الصورة المسطحة عمقًا يوحي بالتجسيد وهو ما يعد ثورة وانقلابا في أساليب العرض المختلفة*.. وطبيعي أن يستفيد المسرح في العالم الآخر في أوروبا وآسيا وأمريكا من هذه المنجزات التكنولوجية ويأتون بها إلي خشبات المسارح لاستخدامها في عروض مبهرة ومدهشة تدفع الجمهور لارتياد المسرح للاستمتاع بهذا العالم الجديد الساحر*.
وتبقي كل المنجزات التكنولوجية عنصرًا مساعدًا لجذب الجمهور،* حتي لا يصيبنا الإحباط كمسرحيين مصريين من قلب العالم الثالث،* ينبغي أن ندرك التكنولوجيا علي أهميتها إلا أنها زائدة علي الجوهر الحقيقي للمسرح الذي يحكمه الحضور المباشر وتألق اللحظة التي يحياها الوجدان الجمعي داخل زمان ومكان واحد ومحدد*. ولكن ماذا نفعل حتي يأتي اليوم الذي تعرف فيه خشبات مسارحنا التطوير التقني الحقيقي الذي يجعلنا نلتحق بالعصر الذي يعيشه العالم؟
علينا أن نعمل علي جوهر المسرح من حيث العلاقة بين مبدع* "مرسل*" ومتلق* "مرسل إليه*" في إطار واقع اجتماعي له شروطه وسياقه وأن نلتقط الموضوعات التي تهم المتلقي وتمس وجدانه،* تخاطب عقله وتمتعه في إطار جيد الصنع يشعر معه المتلقي أن هذا المسرح يحترم عقله ويدفعه إلي الأمام*.. وحتي يبقي للمسرح وجوده المهم في حياة الناس يجب أن تنشط كل روافد المسرح المصري لأنه إذا اعتبرنا أن مسرح الدولة بفرقه الثمانية يشكل العمود الفقري للمسرح في مصر فإن هناك روافد أساسية مهمة متنوعة ومتعددة لا* غني عنها لرسم ملامح المشهد المسرحي في مصر*.
وتتنوع هذه الروافد وفقاً* للفلسفة والدور والآليات وقوة هذه الروافد وتألقها يدفع المسرح ويقويه كما أن ضعفها يؤثر بالسلب علي حركة المسرح بشكل عام*..
مسرح الأقاليم يأتي كرافد مهم حيث يتجمع عشاق المسرح في مدن وقري ونجوع مصر ليصنعوا مسرحهم الذي يعبر عنهم ومسرح الأقاليم علي اتساعه وقدرته علي توظيف طاقات المبدعين يشكل حائط صد رئيسيا في مواجهة التطرف والضياع وكابوس البطالة*.. ثم يأتي المسرح المستقل كتيار مسرحي خارج عن المؤسسات المسرحية الرسمية وكتعبير عن الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في التنمية بمختلف أشكالها،* وبقدر حفاظ هذا التيار علي استقلاله وعدم تبعيته بقدر ما يستطيع أن يؤدي دوره الفاعل في الحياة الثقافية والفنية*.. ويظل المسرح الجامعي والمدرس معملاً* أساسيا* "لتفريخ*" المواهب المسرحية ولتأصيل التذوق الفني والاحساس بالجمال لدي جمهور واسع*..
أما المسرح الخاص المتعثر حالياً* والذي تقلصت عروضه بصورة ملحوظة فلابد من دراسة جادة لمشكلاته وأسباب عثرته ليزدهر وتنبض مسارحه* بالحياة مرة أخري*..
إن قوة هذه الروافد وازدهارها
من شأنها أن تعيد الجمهور للمسرح*..
ويعود بالمسرح إلي الحالة التي نتمناها جميعًا
عندما يصبح المسرح* "ضرورة*" في حياة الناس
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق